مجلة «آفاق» المغربية تقارب سؤال الأمازيغية بين الثقافة والتقليد

خصص اتحاد كتاب المغرب العدد الجديد من مجلته «آفاق» لموضوع «الثقافة الأمازيغية وسؤال الحداثة» بمشاركة مجموعة من النقاد والباحثين الذين ركز معظمهم على أمازيغية منطقة الريف لاسيما عند مقاربة المتون الأدبية، وهو ما يستدعي التفكير مستقبلا في تخصيص عددين آخرين من المجلة، واحد لأمازيغية منطقة الأطلس المتوسط، وآخر لأمازيغية الجنوب.
يرى الباحث محمد أقضاض في مقاله أنه من الضروري أن تساهم الثقافة الأمازيغية، مع باقي مكونات الثقافة المغربية، في تطوير المجتمع، مؤكدا أنه لا يمكن أن يتحقق ذلك إلا إذا نُظِر إلى تاريخ المجتمعات المغاربية ـ وبالذات المغرب ـ على أنه تاريخ دائم التحول. وأضاف أن الأجواء أصبحت اليوم تسمح بحق الإنسان في الدفاع عن ثقافته بالعقل والتفكير، وهو مظهر من مظاهر الديمقراطية، بجانب ضمان حق التفكير وحق التعبير. وتابع الباحث قوله إن المثقف الأمازيغي تمكن من أن يمنح لنفسه حقا آخر مهما، يجعله قادرا على تجاوز تحد حداثي آخر، هو الحق في الإبداع في الأدب والفنون وفي الخطاب الفكري.
كما أوضح أقضاض أن من بين تحديات الحداثة تحقيق مواطنة الثقافة الأمازيغية، عبر ما توفره الديمقراطية وحقوق الإنسان من إمكانية المساواة في المواطنة، مواطنة الفرد والجماعة التي ينتمي إليها، من أجل تقوية التماسك الاجتماعي، كي يدرك الناس الضرورة التي هم في حاجة إليها، وليعيشوا في عالم اجتماعي، يشعرون بأنهم ينتمون إليه ويتماهون معه، ويحسون بكونهم جزءا من المجموعة البشرية الوطنية والكونية، حيث يتقاسمون مع غيرهم بعض الخصائص والأهداف والمنافع، كما يتقاسمونها مع جماعات أكثر خصوصية.

الشعر في منطقة الريف

ارتأى الباحث عبد الله شريق تحليل الخطاب الشعري الأمازيغي المعاصر في منطقة الريف، حيث سجل أنه في حدود ما اطلع عليه من دواوين ونصوص شعرية بأمازيغية الريف، يمكن القول بصورة عامة إن الوعي الحداثي في الشعر الأمازيغي ما زال محدودا، ولم يتبلور بشكل واسع في نصوصه، فما زال الكثير من المحاولات والقصائد يحمل رؤى وصورا شعرية تقليدية، ويخضع للبناء التقليدي والأسلوب الخطابي. ومن خلال الاستشهاد بنماذج شعرية، عمل الباحث على تقسيم الرؤى التي تحكم الشعر الأمازيغي في الريف وفق النحو التالي:
ـ رؤية نوستالجية ذات بعد تاريخي في بعض النصوص تتغنى بالهوية والجذور.
ـ رؤية وجدانية ذات بعد رومانسي تجمع بين التعبير عن الذات ووصف وتصوير الطبيعة والتغزل العفيف بالمرأة.
ـ رؤية مهجرية يهيمن عليها طابع الغربة والحنين للماضي والأرض والوطن.
ـ رؤية واقعية ذات بعد اجتماعي نقدي.
ـ رؤية دينية إسلامية.
ومن أجل المساهمة في نشر الوعي بضرورة تحديث الخطاب الشعري الأمازيغي عامة، قدم عبد الله شريق مجموعة من الملاحظات والاقتراحات، من ضمنها: الوعي بكون الشعر فنا إبداعيا متميزا ومستقلا عن الغناء والرقص، وضرورة استفادة الشعراء من التجارب الشعرية العالمية، واستيعاب مفهوم الحداثة وما تدعو إليه من تجديد وتعدد وانفتاح إنساني وحضاري ورفض للتقليد والتعصب، وتجاوز القصيدة الخطابية والغنائية القصيرة ذات الصوت الواحد إلى القصيدة المركبة والقصيدة الدرامية متعددة الأصوات، وتجاوز نزعة تقليد النماذج المتوارثة والنزعة النوستالجية والنزعة الإقليمية المحلية إلى القضايا الوطنية الكبرى والقضايا الإنسانية والحضارية الأكثر عمقا ورحابة، وتحديث اللغة الأمازيغية وتطويرها وإثراء معجمها اللغوي والاصطلاحي بالألفاظ والمفاهيم والمصطلحات المرتبطة بالحياة المعاصرة.
ونشر الباحث محمد الوالي قراءة في شعرية أحمد الزياني، وهو واحد من شعراء الريف الذين انتقلوا بالقصيدة من مراحلها الشفوية إلى مراحلها الكتابية، وهي المرحلة التي تبتدئ من السبعينيات في القرن الماضي. واختار الباحث قصيدة «أحبك كثيرا كثيرانموذجا للتحليل من خلال الوقوف عند المقومات الشعرية وهياكل الاستعارة وهياكل التوازي والهيكل العروضي وهيكل القصيدة.
ويتضمن الملف، كذلك، قراءة أنجزها الكاتب فؤاد أزروال لديوان «الطريق إلى السماء» للشاعر سعيد أبرنوص الذي يراهن على شعرية جديدة في الإبداع الأمازيغي، شعرية مبنية على الانزياح في اللغة والمغايرة في الشكل والبناء والبحث عن إيقاعات بديلة خارج أطر الأوزان وموسيقاها الخارجية، ويراهن أيضا على الرقي بالقصيدة الأمازيغية الحديثة إلى مستوى الدلالة من خلال استثمار إمكانيات اللغة في ذاتها باعتبارها مصدرا للخلق والابتكار، وفي علاقتها مع الأطر الشكلية التي توضع فيها وتتفاعل معها.
وتحت عنوان «من قضايا الحداثة الشعرية الريفية: أفق الكتابية ومأزق الكفاف المعجمي، ركّز الباحث جمال أبرنوص على تجربة الشاعرين منعم الأزرق وعبد الرحيم فوزي، حيث خلص إلى وجود وعي متقدم لديهما معا بالتحديات الفنية التي يفرضها رهان الحداثة، من حيث كونها إعلاء لافتا من شأن العقل، واجتراء على التجريب، وسعيا إلى تجاوز الأشكال التقليدية في الإبداع والاستقبال.
وساهم الباحث جواد الزروقي بمقال تحت عنوان «الشعر الأمازيغي ورهانات الحداثة»، رصد فيه التحولات التي رافقت انتقال الثقافة والأدب الأمازيغيين ـ في العقود الأخيرة ـ إلى ما يمكن وصفه بعصر التدوين، والذي ساهم في حفظ جزء من تراث شفاهي كان عرضة للضياع، وأن يؤسس لمرحلة جديدة تتجاوز التدوين إلى الكتابة وفق تجربة حداثة شعرية، تهدف إلى ترسيخ تقاليد الكتابة التي تتحدى النسيان وتتجاوز العفوية والملكية الجماعية للمنتج الإبداعي.

بين التفاؤل والحذر

وشكّـل موضوع التحديات المطروحة على الثقافة الأمازيغية محورا لمقالين، الأول للباحث محسن أفطي والثاني للباحث محمد اليوسفي. هذا الأخير يصدر عن رؤية تفاؤلية بتأكيده على تصاعد وتيرة التطور الكمي للثقافة الأمازيغية، وضمنها الإبداع الأدبي الذي حقق تراكما كبيرا رغم التفاوت الحاصل في الإنتاج بين جنس أدبي وآخر، حيث يشكل الشعر نسبة مهمة، تليه القصة والرواية ثم المسرح. وأكد الباحث أن هذا التطور جاء تتويجا للتطورات التي شهدها المغرب، وخاصة بعد التفعيل الرسمي للطابع الأمازيغي للحياة العامة، وإحداث مؤسسات تعنى بهذا الأمر، ساهمت في نشر هذه الثقافة وتوثيقها، كالجمعيات وفي مقدمتها الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.
أما الباحث محسن أفطي فيدقّ ناقوس الخطر حول الموضوع، بالقول إن ترجمة التحول الذي تشهده الثقافة الأمازيغية على أرض الواقع ما زال يصطدم بعدة عراقيل، سواء على مستوى الدولة أو على مستوى المجتمع المدني، من خلال مواقف مناوئة يُعبَّـر عنها انطلاقا من خلفيات إيديولوجية قارة، ترى في الأمازيغية بذور التشقق الإثني أو دعوة إلى العلمنة كما يعتقد الإسلاميون، وهو ما يدعو المغاربة اليوم ـ يقول الباحث ـ إلى ضرورة فهم جديد لتاريخهم، فهم يعمل على التطهر ولو نسبيا من المعيارية والنظرة السلفية المرتكزة على تقديس الماضي وصنع الأساطير، ويقود إلى التحديث المطلوب.
واختار الباحث جميل حمداوي التطرق إلى الحداثة المسرحية في الثقافة الأمازيغية، متوقفا عند أنواع هذه الحداثة، الفلكلورية والتجريدية والتجريبية والرمزية والسوريالية والعبثية والكوريغرافية والميتامسرحية والشاعرية والسينوغرافية، خالصا إلى القول إن الحداثة المقصودة هي حداثة التغيير والتجريب والتجديد والتثوير والانزياح عن المألوف والسائد.
وتناول الباحث يوسف توفيق تجليات الحداثة في القصة الأمازيغية الحديثة المكتوبة في الريف، معتبرا أن السرد الأمازيغي الجديد ـ رغم عمره القصير والإكراهات الكثيرة التي يعانيها والمرتبطة بالإنتاج والتلقي ـ استطاع أن يجد له مكانا في خارطة الإبداع المحلية، وأن يستفيد من التقنيات الحداثية المتطورة في كتابة القصة.
تبقى الإشارة إلى أن اتحاد كتاب المغرب أرفق مع العدد الجديد من مجلة «آفاق» كتابا في المحور نفسه، للدكتور محمد يحيى قاسمي، في موضوع «بيبليوغرافيا الإبداع الأدبي الأمازيغي المغربي: 1968 ـ 2016
.

ذات صلة